الخميس

حبة قمح


العاطفة التي تنبثق في المنزل الزوجي أجدر بأن تسمى بالمحبة,والمحبة تختلف عن الحب من نواح عديدة ولكي تجلو هذه النقطة ونوضحها نلجأ الى التمثيل الآتي: إذا شبهنا الحب بشمعة لاهبة وشبهنا المحبة بنبتة انبثقت من حبة قمح,وجدنا: أن الشمعة كيان ملتهب فيه الحرارة والضياء والتشعع (أشبه بالحب),أما نبتة القمح فهي كيان حي ينمو من الداخل حتى يثمر وينبثق منه سنبلة مليئة بالحب,إن الشمعة يلمع نورها ويتألق وتبدو شيئاً مضيئاً لانظير له.


وتظل شيئاً باهراً مادامت متوهجة لكنها في حقيقتها شيء استهلاكي لامستقبل له,فكل لحظة تمر لها تقربها من نهايتها ولسوف تنطفىء ذات لحظة ولاتخلف إلا قطرات تدل على أن الشمعة كانت هنا مضيئة فيما مضى.


أما شتلة القمح فإنها لاتحوي ضياء باهراً يلفت النظر أو يخلب اللب بفتنته أو حرارته,ولكنها في حقيقتها (شيء ثمين,وثمنه أنه يتفتح في المستقبل (حين تغرس في التربة مثلاً) إنه يتفتح بامر الله,إن الشمعة تمثل (الحالة الاستهلاكية) أما النبتة فتمثل (الحالة الإنتاجية).


وكما أن نبتة القمح لاتكبر ولاتنمو إلا إذا توفرت لها عدة شروط (كالماء والهواء والغذاء..) فإن المحبة لاتدوم أو تنمو بين الزوجين إلا إذا توفرت لها أمور أو شروط كثيرة مثل (اللهفة الصادقة,والكلمات اللائقة والحرص الأكيد على الشريك والاهتمام بتقديم العناية والراحة..والفرح بالشريك,إن المحبة أكثر من عاطفة..إنها بصيرة ومنهج في الحياة,وحتى الاتصال الجسدي بين الزوجين (الذي هو أهم شيء في الحب) فإنه في المحية عظيم الفائدة,لأنه يفتح بصيرة الزوجين على أهمية الانسان الشريك وينمي تعلق كل منهما بشريكه,ويسبغ على وجودهما معاني الأمل والفرح والرضى,هكذا عرف آدم حواء الخالدة.


ومع ذلك فإن الاتصال الجسدي ليس كل شيء في المحبة,كما هو الحب ...إن المحبة البصيرة لاتفتأ تصعد وتصعد,إنها تصعد المنحدر نفسه الذي يهبط عليه الحب المفتون,المحبة عمل إرادي وعقلي وفعال,ومجموع هذا كله يمكن أن نطلق عليه اسم المودة".


إن المودة مفهوم واسع وغني,يعبر عن الشخصية بكل أبعادها وغناها,وحين يقول أحدهم:"إنني أود..."فإنه يقصد: أنا أريد ,وأنا اختار,وأحرص بصدق وبعمق حاضراً وفي المستقبل وأنا أفضل وأقدر,وأحب..كل هذا يجمله ويجمعه بكلمة المودة.


أما الحب فهو حين ينفرد بالتأثير لايؤدي بالضرورة الى المحبة,انه يبهر البصر,ولكنه قلما ينير البصيرة وقد يكون الحب شعلة مضيئة,ولكنه يشترط النقاء والصفاء والصدق كي يكتسب الاستمرار والاستقرار,وإذا لقي الحب ذلك نما وتحول الى المحبة ,وإذا لم يتوفر له ذلك أصابه الهمود ومال الى الانطفاء.

ليست هناك تعليقات: